أقرّ مجلس الوزراء البرنامج الإصلاحي للبنان في جلسة للحكومة الخميس الماضي، ووقع رئيس الحكومة حسان دياب بعدها بأربع وعشرين ساعة رسالة إلى صندوق النقد الدولي لطلب مساعدته، متمنيا أن "تكون المرحلة الحالية نقطة التحوّل في المسار الإنحداري للواقع المالي والإقتصادي للبنان". فما الذي يعنيه طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي؟.
في شهر شباط من العام الجاري طلب لبنان استشارة مالية من صندوق النقد الدولي، فزار وفد من الصندوق لبنان برئاسة مارتن سيريزولة، وجال على رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس الحكومة حسان دياب، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وخلص بنتيجة لقاءاته أن "لا مشورة يمكن للصندوق تقدمتها، قبل معرفة حقيقة ما يملكه لبنان من عملات أجنبية، ودولار تحديدا"، وذلك بعد أن سمع أرقاما مختلفة من كل مرجعية التقاها.
غادر الوفد، ولكن النصيحة جاءت للبنان من مكان آخر، وتحديدا من دول اوروبية عدة: "أطلبوا مساعدة صندوق النقد". أمس استمعت الحكومة للنصائح ووقعت طلب المساعدة.
يشير الخبير المالي والاقتصادي محمد جزيني الى أن خطة الحكومة هي مفتاح التفاوض مع الصندوق المذكور، وبالتالي نسبة كبيرة مما جاء فيها يتوجه له، وكل القوى السياسية داخل الحكومة وافقت عليها، لسبب بسيط، وهو "انعدام الحلول الأخرى أمام لبنان".
ويضيف جزيني في حديث لـ"النشرة": "لا خيار لجلب الأموال بالعملات الأجنبية لتمويل حاجات لبنان الأساسية الا من خلال التوجه الى الصندوق، والكل يعلم هذه الحقيقة، والسبب هو عدم وجود أي مصدر مغاير للأموال، فنحن نحتاج من 3 الى 5 سنوات لتعويض الهوّة بين الاستيراد والتصدير، وبالتالي يعوزنا مساعدة إلزامية من الخارج".
من جهته يؤكد الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان حاجة لبنان لصندوق النقد، مشيرا الى أن من يملك رأيا مختلفا ومصدرا جديدا للأموال فليتقدم بطرحه ولن يجد من يُعارضه، ولكن من سيقدم المال للبنان اذا كانت الدول الخليجية تعاني بسبب أسعار النفط، والدول الأوروبية تمرّ بأزمات اقتصادية حادة، ولا يوجد أي دولة تستطيع رفدنا بالمساعدة، مع العلم أن مديري الدولة هم سبب وصول لبنان الى هذه المرحلة، فالمعالجة من الداخل كانت ممكنة سابقا ولكنها مستحيلة اليوم.
ويضيف بو سليمان في حديث لـ"النشرة": "طلب المساعدة لا يعني الموافقة، فللصندوق سياسته وشروطه والكل يعلم أبرزها، سواء تحرير سعر الصرف، الذي أجلت الحكومة العمل به، رفع الدعم عن كل شيء، الكهرباء، المازوت، القمح، وإعادة هيكلة القطاع العام لتقليص حجمه بنسبة كبيرة في وقت قصير، وهو أمر لم تقاربه الحكومة بجدّية بعد، ولكن باب التفاوض مفتوحا، ولو أن لبنان هو الطرف الضعيف في المفاوضات".
يحاول لبنان بحسب جزيني الحصول على 10 مليار دولار من صندوق النقد على مدى 5 سنوات لاستيراد متطلبات وحاجات البلد الأساسية، الأمر الذي كان يقوم به سابقا من خلال الاعتماد على السياحة، اموال المغتربين، الاستثمارات، واستقطاب الأموال عبر الفوائد المرتفعة، والتي لم تعد ممكنة بسبب توقف لبنان عن دفع ديونه ووضع ضوابط على رأس المال "الكابيتال كونترول"، وبالتالي لا مناص للبنان سوى بالقروض لجلب الدولار.
يرى جزيني أنه رغم كل الصعوبات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، فإن طبيعة النظام الرأسمالي الجشع تجعل دول العالم الثالث، التي لا تملك موارد أولية، ولا تستطيع أن تنافس في تكلفة الإنتاج، خاصة بسبب تثبيت سعر الصرف، كما هو الحال في لبنان، مضطرة لأن تستود حاجاتها من الخارج، وبالتالي تستنزف دولاراتها وتصبح بحاجة للإستدانة، ما يجعلها عرضة للإنهيار، فمن يملك الدولار، يحكم، ومن لا يملكه، يستدين، معتبرا ان "خلق" صندوق النقد كان سببه السياسي غير المعلن هو أن النظام الرأسمالي وطريقة تركيبته وعدم المساواة بطريقة تطبيق القوانين بين الدول وغياب العدالة، سيؤدي بكل تأكيد لانهيار الدول، وصندوق النقد يتدخل عندها لإعادة توازن ميزان المدفوعات، ولكن ليس من دون مقابل.
ويضيف: "بين الحاجة للصندوق وبين أنه جهة متطرفة تدفع للانتحار الاجتماعي، اتجهت الحكومة نحو الحل الوحيد أمامها، ولكن ما أراه هو أن إدارة الصندوق تغيّرت مع الزمن فصارت أقرب لفهم تأثيرات قراراتها المالية على الأوضاع الإجتماعية في الدول، واقتنعت أكثر أن السياسات المتطرفة أثبتت عدم نجاحها سياسيا واقتصاديا".
اذا، العبرة في التفاوض، فالخطة التي وضعتها الحكومة، وأخذت بعين الاعتبار طلبات صندوق النقد الدولي، استبعدت الطلبات المتطرّفة، ولكن المهم هو تمكّنها من استبعادها بشكل نهائي وجلب موافقة الصندوق على مساعدة لبنان، وهنا لبّ الأمر، مع العلم أن أحدا لا يشكّك بأن القيمين على الصندوق سيحاولون دفع لبنان لأبعد مدى، ورفع كل سقف تضعه الجهّة المفاوضة، وسيحاولون تحقيق مكاسب سياسية أيضا.